فبراير 2024
موضوع العدد (1)
سفر يونان: من؟ متى؟ لماذا؟ وكيف يمكن أن نعرف؟
بقلم: ستيفن كامبل
من هو كاتب السفر؟ ومتى كُتِب؟
«يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ» (يونان 1: 1) كان نبيًّا عاش في القرن الثامن ق.م.، ويُنسَب إليه بوجه عام كتابة السفر الذي يحمل اسمه. وللأسف، كانت قصة يونان موضوع بعض الجدل. فقد تساءل البعض قائلين: “هل حدثت هذه القصة بالفعل؟” ويرفض نقاد العصر الحديث هذا السفر، بسبب الأحداث الفائقة للطبيعة المسجَّلة فيه:
- الحوت (يونان 1: 17)
- توبة أهل نينوى جميعهم (يونان 3: 5-10)
- اليقطينة (يونان 4: 6)
- الدودة (يونان 4: 7)
يرفض المعارضون الليبراليون أعمال الله السيادية التي تتخطَّى النظام الطبيعي الذي وضعه هو نفسه في الخليقة. ويرفض هؤلاء بعض الأقوال الواردة في هذه القصة، مثل يونان 1: 4، 17؛ 2: 10 وغيرها أيضًا. وفي جوهر الأمر، لا يريد هؤلاء أن يؤمنوا بالله.
يرى بعض العلماء والباحثين المحافظين أن يونان هو الذي كتب السفر، بينما يشعر آخرون بأن يونان لا يمكن أن يكون هو الكاتب، لأن السفر لا يخبرنا بأنه هو كاتبه، كما أنه يشير إلى النبي بصيغة الغائب. للرد على الحُجة الأولى، ربما يمكن أن نقول إن سفر يونان يبدأ مثلما بدأ سفر هوشع، وسفر يوئيل، وسفر ميخا، وسفر صفنيا، وهي الأسفار التي لا يوجد جدال على هوية كُتَّابها. أما فيما يخص الحُجة الثانية، فقد كانت الكتابة في صيغة الغائب ممارسة شائعة، ويمكن ملاحظة الصيغة نفسها أيضًا في الكتابات المنسوبة إلى موسى وإشعياء.[1]
يرى البعض أن شخصًا مجهول الهوية هو الذي كتب سفر يونان، في وقتٍ ما في القرن الخامس أو القرن الرابع ق.م.[2] وإذا كان هذا السفر قد كُتِب بالفعل على يد شخصٍ ما بعد نحو 300 سنة من وقوع أحداثه، فإن هذا قد يشير إلى أن القصة التي رواها يونان تناقلت شفهيًا، إلى أن أمر الله أحدهم بأن يكتبها ويحفظها للأجيال القادمة، أي لنا نحن! يقول رومية 15: 4، «لِأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لِأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِٱلصَّبْرِ وَٱلتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي ٱلْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ». وما نعرفه بالفعل هو أن الرب حرص على إدراج هذا السفر في التوراة اليهودية، وفي الكتاب المقدس المسيحي بعد ذلك. فإن كلامه هو حقٌّ (يوحنا 17: 17).
لماذا كُتب هذا السفر؟
وثَّق الرب يسوع الشرعية التاريخية لهذا السفر، وأشار إلى درسين مهمين يمكن تعلُّمهما من قصة يونان:
- «لِأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ، هَكَذَا يَكُونُ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ فِي قَلْبِ ٱلْأَرْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ» (متى 12: 40)
- «لِأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لِأَهْلِ نِينَوَى، كَذَلِكَ يَكُونُ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ أَيْضًا لِهَذَا ٱلْجِيلِ … رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هَذَا ٱلْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لِأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا!» (لوقا 11: 30، 32).
فإن استخدام الرب لهذا السفر ليعلِّم به عن نفسه هو واحدٌ من أهم أسباب كتابة هذا السفر! علاوة على ذلك، كُتِب سفر يونان بوحيٍ من الروح القدس (2بطرس 1: 21)، لأنه يحمل رسالة نبوية عن ابن الإنسان. ونحن نعلم أن «كُلُّ ٱلْكِتَابِ – بما في ذلك سفر يونان أيضًا – هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ ٱللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ» (2تيموثاوس 3: 16). وثمة أمور عملية يمكن أن نتعلمها من قراءتنا لهذا السفر الشيق، وتطبيق دروسه اليوم على حياتنا!
لماذا روى يونان قصته؟
لا نسمع اليوم في الأدب الحديث عن شخصٍ قد يكتب سجلاً عن حياته يكون سلبيًّا إلى هذا الحد. ومع ذلك، اعترف يونان في هذا السفر ببعض الأخطاء وأفعال التمرد التي ارتكبها، ومنها:
- تحامُله على أهل نينوى.
- تمرُّده على وصية الله.
- نومه في السفينة دون مراعاةٍ للملَّاحين الذين كانوا خائفين على حياتهم.
- غضبه من الله بسبب فقدانه لليقطينة التي كان يستظل تحتها.
- الاعتقاد بأن الأشياء، مثل اليقطينة، أهم من البشر.
ربما رأى يونان أنه ينبغي أن يروي قصته! فقد كان هذا النبي يَعلَم جيدًا أن الله «إِلَهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى ٱلشَّرِّ» (يونان 4: 2). وكان على دراية بنعمة الله المتمثلة في غفران خطايا الناس. لكنه كان بحاجة إلى أن يعرف كيف يمكن أن يصير ذلك حقيقة واقعة في حياته الشخصية. فعلى سبيل المثال، لم يعاقب الرب يونان على تمرُّده، بل غفر له، وحفظه بواسطة الحوت، وأعطاه فرصةً ثانيةً ليطيع وصيته. وربما لم يتعلَّم يونان هذا الدرس إلا في النهاية.
فهل تعلَّمنا نحن هذا الدرس نفسه؟ أجل، فإن الله يحبني أنا، وقد منحني أنا غفران الخطايا بدم ابنه الحبيب المسفوك عني. وحتى بعد الإيمان، نحن بحاجة إلى أن نأتي إليه يوميًّا، كي يتولَّى أمر خطايانا وذنوبنا، لأن 1يوحنا 1: 9 يقول: «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ». فإننا لن نُستخدَم في خدمته بصورة لائقة إلا بنمط حياة من الاعتراف واختبار الغفران.
كيف يمكن أن نعرف إذا كان يونان قد أجاب السؤال أم لا؟
سأل الله يونان قائلًا: «أَفَلَا أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟» (يونان 4: 11). على الأرجح، تعلَّم هذا النبي بالفعل أن الحياة أهم بكثير من الأشياء. وقد صار اعتراف يونان بخطاياه وتقصيراته وثيقةً علنيةً مسجَّلةً في الكتاب المقدس. وربما يوحي لنا ذلك بأنه تعلَّم الدرس. فإن وجود هذه القصة في الكتاب المقدس يشير إلى أن الله يَعلَم أننا بحاجة إلى أن نتعلَّم هذا الدرس نفسه، وهو أن البشر أهم بكثير من الأشياء!
الوسيلة الوحيدة للإفلات من الدينونة الأبدية هي أن نعترف بأننا خطاة، ونَقبَل الرب يسوع مخلِّصًا. فإن التحذير من الدينونة جزءٌ مهم من رسالة الإنجيل: «وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ٱلدَّيْنُونَةُ» (عبرانيين 9: 27). أيها القارئ غير المؤمن، هذه «المرة» المذكورة في النص السابق قد تَحدُث لك في لحظةٍ. فمن أين تَعلَم إذا كانت ستتاح لك فرصة أربعين يومًا للتوبة، كما أتيحت لأهل نينوى (لوقا 12: 20)؟ يقول الرب يسوع: «لِذَلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ» (متى 24: 44). نعم، «هُوَذَا ٱلْآنَ يَوْمُ خَلَاصٍ!» |
[1] Wikipedia.org – Mills, Watson E; Bullard, Roger Aubrey (1990).
[2] See BibleGateway.com – Encyclopedia Of The Bible, The Book Of Jonah